ثمار الايمان

الحمد لله رب العالمين ، حمدا كثيرا طيبا
مباركا فيه ، نحمده على نعمة الإيمان وعلى نعمة الإسلام ، ونشهد أن لاإله
إلا الله وحده لاشريك له ، الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد
ولم يكن له كفوا أحد ، وأشهد ان سيدنا محمد عبده ورسوله ، وصفيه من خلقه
وحبيبه ، أما بعد ........

قال الله تعالى في كتابه الكريم ( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون )
الحجرات 7 ، فإذا اكتمل الحب داخل قلب العبد للإيمان ، انطلق لفعل الخير ،
والابتعاد عن الشر، عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال ( من أحب لله ، وأبغض لله ، وأعطى لله ، ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان ) أخرجه أبو داوود وصصحه الألباني .

إن
هناك حقيقة يجب علينا أن نعلمها أنه لايوجد قلب مسلم إلا وفيه إيمان بالله
وهذا الإيمان يزيد وينقص ، وهناك قلوب تشتاق إلى الله ولكنها لاتستطيع
التخلص من حب الدنيا وزينتها وزخرفها .

لقد حقق الصحابة الكرام
رضوان الله عليهم المعادلة الصعبة بالعيش في الدنيا ومعاشرة الأهل والأولاد
وربط قلوبهم بالآخرة ومحبة الله والاشتياق للجنة والخوف من النار وصدق
الوصف الذي أطلق عليهم " كانوا رهبانا بالليل فرسانا بالنهار " .

قال ابن مسعود رضي الله عنه لأصحابه : أنتم
أكثر صوما وصلاة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وهم كانوا خيرا منكم ،
قالوا : وبم ذاك ؟ قال : كانوا أزهد منكم في الدنيا ، وأرغب في الآخرة "
إن إصلاح قلوبنا بالإيمان لابد أن يكون هدف كل مؤمن ومؤمنة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ) متفق عليه ، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله لاينظر إلى أجسادكم ، ولا إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) متفق عليه

قالت السيدة عائشة رضي الله عنها " أول
مانزل من القرآن سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار ، حتى إذا ثاب
الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ، ولو نزل من أول الأمر لاتزنوا ،
لقالوا : لاندع الزنا أبدا ، ولو نزل من أول الأمر : لاتشربوا الخمر ،
لقالوا : لانترك الخمر أبدا ،أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا جارية
ألعب " بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر " وهي من سورة القمر ، ومانزلت
البقرة والنساء إلا وأنا عنده في المدينة " البخاري .

عباد الله .....
هذا
الحديث يبين أهمية التدرج في الدعوة وتربية الأبناء فقد بدأ النبي صلى
الله عليه وبوحي من السماء تربية الصحابة رضوان الله عليهم على الإيمان
أولا وذكر الجنة والنار ، حتى إذا استقر الإيمان في القلوب نزلت آيات
الأحكام في المدينة المنورة ، وهذا دليلنا ومرشدنا إذا أردنا إصلاح أمور
الجالية المسلمة أن نبدأ بتنمية الإيمان داخل القلوب ، وربط هذه القلوب
بمعرفة الخالق ومحبته وهذا بلا شك سيزيد من نسبة الإيمان داخل القلوب ،
فتسهل عملية التغيير .

لقد أكدت الأمم السابقة للإسلام على هذا
المعنى العظيم بما أُثر عن موسى وعيسى عليهما السلام أن من اعظم الوصايا ، "
أن تحب الله بقلبك وعقلك وقصدك ، وهذه حقيقة الحنيفية ملة إبراهيم عليه
السلام التي هي أصل شريعة التوراة والإنجيل والقرآن " .

إن ثمار الإيمان سيشعر بها الإنسان عندما يحب الله من قلبه ، قال الله تعالى ( والذين آمنوا أشد حبا لله
) البقرة 165 ، وأول هذه الثمرات ، أن يطمع العبد فيما عند الله ، فكلما
اشتد الحب لله اشتد الرجاء في فضله وكرمه وحسن الظن في مغفرته ورضاه ،
فالله لايعذب من يحبه ، قال الله تعالى عن اليهود حينما قالوا ( نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم ) المائدة 18 ، وقال صلى الله عليه وسلم ( والله لايلقى الله حبيبه في النار ) .
عن سفيان الثوري رحمه الله كان يقول " ماأحب أن حسابي جعل إلى والدي ، ربي خير لي من والدي ".
قال عبد الله بن المبارك : أتيت
سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاث على ركبتيه وعيناه تهملان فبكيت ، فالتفت
إلى فقال : ماشانك ؟ فقلت : من أسوأ أهل الجمع حالا ؟ قال : الذي يظن أن
الله لايغفر له " .
مرض اعرابي فقيل له : إنك تموت . قال وأين أذهب ؟ قالوا : إلى الله . قال فما كراهتي أن أذهب إلى من لاأرى الخير إلا منه " .

فحبنا
لله وحب الله لنا هو أساس كل خير ، قال الله تعالى واصفا المؤمنين " يحبهم
ويحبونه " فياأخوة الإسلام أحسنوا الظن بالله ، الإيمان ثم الإيمان ثم
الإيمان زيدوه في القلوب ، وخصوصا خلال هذه الأيام ومع اقتراب نفحات شهر
رمضان الكريم ، أكثروا من الصيام وخصوصا الاثنين والخميس ، وعمروا مساجد
الله بالصلوات والتسبيح والذكر ، اسأل الله أن يوفقنا لكل خير ...